أبو طالب بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي القرشي الهاشمي عم رسول الله صلى الله عليه وسلم شقيق أبيه أمهما فاطمة بنت عمرو بن عائذ المخزومية اشتهر بكنيته واسمه عبد مناف على المشهور وقيل عمران وقال الحاكم أكثر المتقدمين على أن اسمه كنيته ولد قبل النبي بخمس وثلاثين سنة ولما مات عبد المطلب أوصى بمحمد صلى الله عليه وسلم الى أبي طالب فكفله وأحسن تربيته وسافر به صحبته إلى الشام وهو شاب ولما بعث قام في نصرته وذب عنه من عاداه ومدحه عدة مدائح منها قوله لما استسقى أهل مكة فسقوا % وأبيض يستسقى الغمام بوجهه % ثمال اليتامى عصمة للأرامل ومنها قوله من قصيدة % وشق له من اسمه ليجله % فذو العرش محمود وهذا محمد قال بن عيينة عن علي بن زيد ما سمعت أحسن من هذا البيت وأخرج أحمد من طريق حبة العرني قال رأيت عليا ضحك على المنبر حتى بدت نواجذه ثم تذكر قول أبي طالب وقد ظهر علينا وأنا أصلي مع النبي صلى الله عليه وسلم ببطن نخلة فقال له ماذا يصنعان فدعاه إلى الإسلام فقال ما بالذي تقول من بأس ولكن والله لا يعلوني استى أبدا وأخرج البخاري في التاريخ من طريق طلحة بن يحيى عن موسى بن طلحة عن عقيل بن أبي طالب قال قالت قريش لأبي طالب إن بن أخيك هذا قد آذانا فذكر القصة فقال يا عقيل ائتني بمحمد قال فجئت به في الظهيرة فقال إنبني عمك هؤلاء زعموا أنك تؤذيهم فانته عن أذاهم فقال أترون هذه الشمس فما أنا بأقدر على أن أدع ذلك فقال أبو طالب والله ما كذب بن أخي قط وقال عبد الرزاق حدثنا سفيان عن حبيب بن أبي ثابت عمن سمع بن عباس في قوله تعالى وهم ينهون عنه وينأون عنه قال نزلت في أبي طالب كان ينهى عن أذى النبي صلى الله عليه وسلم وينأى عما جاء به وأخرج بن عدي من طريق الهيثم البكاء عن ثابت عن أنس قال مرض أبو طالب فعاده النبي صلى الله عليه وسلم فقال يا بن أخي ادع ربك الذي بعثك يعافني فقال اللهم اشف عمي فقام كأنما نشط من عقال فقال يا بن أخي إن ربك ليطيعك فقال وأنت يا عماه لو أطعته ليطيعنك وفي زيادات يونس بن بكير في المغازي عن يونس بن عمرو عن أبي السفر قال بعث أبو طالب إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال أطعمني من عنب جنتك فقال أبو بكر إن الله حرمها على الكافرين وذكر جمع من الرافضة أنه مات مسلما وتمسكوا بما نسب إليه من قوله ودعوتني وعلمت أنك صادق ولقد صدقت فكنت قبل أمينا ولقد علمت بأن دين محمد من خير أديان البرية دينا قال بن عساكر في صدر ترجمته قيل إنه أسلم ولا يصح إسلامه ولقد وقفت على تصنيف لبعض الشيعة أثبت فيه إسلام أبي طالب منها ما أخرجه من طريق يونس بن بكير عن محمد بن إسحاق عن العباس بن عبد الله بن سعيد بن عباس عن بعض أهله عن بن عباس قال لما أتى رسول اللهصلى الله عليه وسلم أبا طالب في مرضه قال له يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أستحل بها لك الشفاعة يوم القيامة قال يا بن أخي والله لولا أن تكون سبة علي وعلى أهلي من بعدي يرون أني قلتها جزعا عند الموت لقلتها لا اقولها إلا لأسرك بها فلما ثقل أبو طالب رؤي يحرك شفتيه فأصغى إليه العباس فسمع قوله فرفع رأسه عنه فقال قد قال والله الكلمة التي سأله عنها ومن طريق إسحاق بن عيسى الهاشمي عن أبيه سمعت المهاجر مولى بني نفيل يقول سمعت أبا رافع يقول سمعت أبا طالب يقول سمعت بن أخي محمد بن عبد الله يقول إن ربه بعثه بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده لا يعبد معه غيره ومحمد الصدوق الأمين ومن طريق بن المبارك عن صفوان بن عمرو عن أبي عامر الهوزني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج معارضا جنازة أبي طالب وهو يقول وصلتك رحم ومن طريق عبد الله بن ضميرة عن أبيه عن علي أنه لما أسلم قال له أبو طالب الزم بن عمك ومن طريق أبي عبيدة معمر بن المثنى عن رؤبة بن العجاج عن أبيه عن عمران بن حصين أن أبا طالب قال لجعفر بن أبي طالب لما أسلم قبل جناح بن عمك فصلى جعفر مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن طريق محمد بن زكريا الغلابي عن العباس بن بكار عن أبي بكر الهذلي عن الكلبي عن أبي صالح عن بن عباس قال جاء أبو بكر بأبي قحافة وهو شيخ قد عمى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تركت الشيخ حتى آتيه قال أردتأن يأجره الله والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي ألتمس بذلك قرة عينك وأسانيد هذه الأحاديث واهية وليس المراد بقوله في الحديث الأخير إثبات إسلام أبي طالب فقد أخرج عمر بن شبة في كتاب مكة وأبو يعلى وأبو بشر سمويه في فوائده كلهم من طريق محمد بن سلمة عن هشام بن حسان عن محمد بن سيرين عن أنس في قصة إسلام أبي قحافة قال فلما مد يده يبايعه بكى أبو بكر فقال النبي صلى الله عليه وسلم ما يبكيك قال لأن تكون يد عمك مكان يده ويسلم ويقر الله عينك أحب إلي من أين يكون وسنده صحيح وأخرجه الحاكم من هذا الوجه وقال صحيح على شرط الشيخين وعلى تقدير ثوبتها فقد عارضها ما هو أصح منها أما الأول ففي الصحيحين من طريق الزهري عن سعيد بن المسيب عن أبيه أن أبا طالب لما حضرته الوفاة دخل عليه النبي صلى الله عليه وسلم وعنده أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية فقال يا عم قل لا إله إلا الله كلمة أحاج لك بها عند الله فقال له أبو جهل وعبد الله بن أبي أمية يا أبا طالب أترغب عن ملة عبد المطلب فلم يزالا به حتى قال آخر ما قال هو على ملة عبد المطلب فقال النبي صلى الله عليه وسلم لأستغفرن لك ما لم أنه عنك فنزلت ما كان للنبي والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين الآية ونزلت إنك لا تهدي من أحببت ولكن الله يهدي من يشاء فهذا هو الصحيح برد الرواية التي ذكرها بن إسحاق إذ لو كان قال كلمة التوحيد ما نهى الله تعالى نبيه عن الاستغفار لهوهذا الجواب أولى من قول من أجاب بأن العباس ما أدى هذه الشهادة وهو مسلم وإنما ذكرها قبل أن يسلم فلا يعتد بها وقد أجاب الرافضي المذكور عن قوله وهو على ملة عبد المطلب بأن عبد المطلب مات على الإسلام واستدل بأثر مقطوع عن جعفر الصادق وسأذكره بعد ولا حجة فيه لانقطاعه وضعف رجاله وأما الثاني وفيه شهادة أبي طالب بتصديق النبي صلى الله عليه وسلم فالجواب عنه وعما ورد من شعر أبي طالب في ذلك أنه نظير ما حكى الله تعالى عن كفار قريش وجحدوا بها واستيقنتها أنفسهم ظلما وعلوا فكان كفرهم عنادا ومنشؤه من الأنفة والكبر وإلى ذلك أشار أبو طالب قوله لولا أن تعيرني قريش وأما الثالث وهو أثر الهوزني فهو مرسل ومع ذلك فليس في قوله وصلتك رحم ما يدل على إسلامه بل فيه ما يدل على عدمه وهو معارضته لجنازته ولو كان أسلم لمشى معه وصلى عليه وقد ورد ما هو أصح منه وهو ما أخرجه أبو داود والنسائي وصححه بن خزيمة من طريق ناجية بن كعب عن علي قال لما مات أبو طالب أتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت إن عمك الضال قد مات فقال لي اذهب فواره ولا تحدثني شيئا حتى تأتين ففعلت ثم جئت فدعا لي بدعوات وقد أخرجه الرافضي المذكور من وجه آخر عن ناجية بن كعب عن علي بدون قوله الضال وأما الرابع والخامس وهو أمر أبي طالب ولديه باتبعاه فتركه ذلك هو من جملة العناد وهو أيضا من حسن نصرته له وذبه عنه ومعاداته قومه بسببهوأما قول أبي بكر فمراده لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب مني بإسلام أبي أي لو أسلم ويبين ذلك ما أخرجه أبو قرة موسى بن طارق عن موسى بن عبيدة عن عبد الله بن دينار عن بن عمر قال جاء أبو بكر بأبي قحافة يقوده يوم فتح مكة فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا تركت الشيخ حتى نأتيه قال أبو بكر أردت أن يأجره الله والذي بعثك بالحق لأنا كنت أشد فرحا بإسلام أبي طالب لو كان أسلم مني بأبي وذكر بن إسحاق أن عمر لما عارض العباس في أبي سفيان لما أقبل به ليلة الفتح فقال له العباس لو كان من بني عدي ما أحببت أن يقتل فقال عمر إنا بإسلامك إذا أسلمت أفرح مني بإسلام الخطاب يعني لو كان أسلم ثم ذكر الرافضي من طريق راشد الحماني قال سئل أبو عبد الله يعني جعفر بن محمد الصادق من أهل الجنة فقال الأنبياء في الجنة والصالحون في الجنة والأسباط في الجنة وأجل العالمين مجدا محمد صلى الله عليه وسلم يقدم آدم فمن بعده من آبائه وهذه الأصناف يحدثون به ويحشر عبد المطلب به نور الأنبياء وجمال الملوك ويحشر أبو طالب في زمرته فإذا ساروا بحضرة الحساب وتبوأ أهل الجنة منازلهم ودحر أهل النار ارتفع شهاب عظيم لا يشك من رآه أنه غيم من النار فيحضر كل من عرف ربه من جميع الملل ولم يعرف نبيه ومن حشر أمة وحده والشيخ الفاني والطفل فيقال لهم إن الجبار تبارك وتعالى يأمركم أن تدخلوا هذه النار فكل من اقتحمها خلص إلى أعلى الجنة ومن كع عنها غشيته أخرجه عن أبي بشر أحمد بن إبراهيم بن يعلى بن أسد عن أبي صالح الحمادي عن أبيه عن جده سمعت راشد الحماني فذكرهوهذه سلسلة شيعية غلاة في رفضهم والحديث الأخير ورد من عدة طرق في حق الشيخ الهرم ومن مات في الفترة ومن ولد أكمه أعمى أصم ومن ولد مجنونا أو طرأ عليه الجنون قبل أن يبلغ ونحو ذلك وأن كلا منهم يدلي بحجة ويقول لو عقلت أو ذكرت لآمنت فترفع لهم نار ويقال لهم ادخلوها فمن دخلها كانت عليه بردا وسلاما ومن امتنع أدخلها كرها هذا معنى ما ورد من ذلك وقد جمعت طرقه في جزء مفرد ونحن نرجو أن يدخل عبد المطلب وآل بيته في جملة من يدخلها طائعا فينجو لكن ورد في أبي طالب ما يدفع ذلك وهو ما تقدم من آية براءة وما ورد في الصحيح عن العباس بن عبد المطلب أنه قال للنبي صلى الله عليه وسلم ما أغنيت عن عمك أبي طالب فإنه كان يحوطك ويغضب لك فقال هو في ضحضاح من النار ولولا أنا لكان في الدرك الأسفل فهذا شأن من مات على الكفر فلو كان مات على التوحيد لنجا من النار أصلا والأحاديث الصحيحة والأخبار المتكاثرة طافحة بذلك وقد فخر المنصور على محمد بن عبد الله بن الحسن لما خرج بالمدينة وكاتبه المكاتبات المشهورة ومنها في كتاب المنصور وقد بعث النبي صلى الله عليه وسلم وله أربعة أعمام فآمن به اثنان أحدهما أبي وكفر به اثنان أحدهما أبوك ومن شعر عبد الله بن المعتز يخاطب الفاطميين % وأنتم بنو بنته دوننا % ونحن بنو عمه المسلم وأخرج الرافضي أيضا في تصنيفه قصة وفاة أبي طالب من طريق علي بن محمد بن متيم سمعت أبي يقول سمعت جدي يقول سمعت علي بن أبي طالب يقول تبعأبو طالب عبد المطلب في كل أحواله حتى خرج من الدنيا وهو على ملته وأوصاني أن أدفنه في قبره فأخبرت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال اذهب فواره وأتيته لما أنزل به فغسلته وكفنته وحملته إلى الحجون فنبشت عن قبر عبد المطلب فوجدته متوجها إلى القبلة فدفنته معه قال متيم ما عبد علي ولا أحد من آبائه إلا الله إلى أن ماتوا أخرجه عن أبي بشر المتقدم ذكره عن أبي بردة السلمي عن الحسن بن ما شاء الله عن أبيه عن علي بن محمد بن متيم وهذه سلسلة شيعية من الغلاة في الرفض فلا يفرح به وقد عارضه ما هو أصح منه مما تقدم فهو المعتمد ثم استدل الرافضي بقول الله تعالى فالذين آمنوا به وعزروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه أولئك هم المفلحون قال وقد عزره أبو طالب بما اشتهر وعلم ونابذ قريشا وعاداهم بسببه مما لا يدفعه أحد من نقلة الأخبار فيكون من المفلحين انتهى وهذا مبلغهم من العلم وإنا نسلم أنه نصره وبالغ في ذلك لكنه لم يتبع النور الذي أنزل معه وهو الكتاب العزيز الداعي إلى التوحيد ولا يحصل الفلاح إلا بحصول ما رتب عليه من الصفات كلها قال المرزباني مات أبو طالب في السنة العاشرة من المبعث وكان له يوم مات بضع وثمانون سنة وذكر بن سعد عن الواقدي أنه مات في نصف شوال منها وقد وقعت لنا رواية أبي طالب عن رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما أخرجه الخطيب في كتاب رواية الآباء عن الأبناء من طريق أحمد بن الحسن المعروف بدبيس حدثنا محمد بن إسماعيل بن إبراهيم العلوي حدثني عم أبي الحسين بن محمد عن أبيه موسى بن جعفر عنأبيه عن علي بن الحسين عن الحسين بن علي قال سمعت أبا طالب يقول حدثني محمد بن أخي وكان والله صدوقا قال قلت له بم بعثت يا محمد قال بصلة الأرحام وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة قال الخطيب لم أكتبه بهذا الإسناد إلا عن هذا الشيخ ودبيس المقرىء صاحب غرائب وكثير الرواية للمناكير وقال الخطيب أيضا أخبرنا أبو نعيم حدثنا محمد بن فارس بن حمدان حدثنا علي بن السراج البرقعيدي حدثنا جعفر بن عبد الواحد القاص قال قال لنا محمد بن عباد عن إسحاق بن عيسى عن مهاجر مولى بني نوفل سمعت أبا رافع أنه سمع أبا طالب يقول حدثني محمد أن الله أمره بصلة الأرحام وأن يعبد الله وحده ولا يعبد معه أحد ومحمد عندي الصدوق الأمين قال الخطيب لا يثبت هذا الحديث أهل العلم بالنقل وفي إسناده غير واحد من المجهولين وجعفر ذاهب الحديث وقال بن سعد في الطبقات أخبرنا إسحاق الأزرق حدثنا عبد الله بن عون عن عمرو بن سعيد أن أبا طالب قال كنت بذي المجاز مع بن أخي فأدركني العطش فشكوت إليه ولا أرى عنده شيئا قال فثنى وركه ثم نزل فأهوى بعصاه إلى الأرض فإذا بالماء فقال اشرب يا عم فشربت ومما لم يذكره الرافضي من الأحاديث الواردة في هذا الباب ما أخرجه تمام الرازي في فوائده من طريق الوليد بن مسلم عن عبد الله بن عمر رفعه أنه إذا كان يوم القيامة شفعت لأبي وأمي وعمي أبي طالب وأخ لي كان في الجاهلية وقال تمام الوليد منكر الحديث قال بن عساكر والصحيح ما أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ذكر عنده أبو طالب فقال ينفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منه دماغه