محمد بن عمر بن واقد ويكنى أبا عبد الله الواقدي مولى لبني سهم من أسلم وكان قد تحول من المدينة فنزل بغداد وولي القضاء لعبد الله بن هارون أمير المؤمنين بعسكر المهدي أربع سنين وكان عالما بالمغازي والسيرة والفتوح وباختلاف الناس في الحديث والأحكام واجتماعهم على ما اجتمعوا عليه وقد فسر ذلك في كتب استخرجها ووضعها وحدث بها وحدثني أحمد بن مسبح قال حدثني عبد الله بن عبيد الله قال قال لي الواقدي حج أمير المؤمنين هارون الرشيد فورد المدينة فقال ليحيى بن خالد أرتاد لي رجلا عارفا بالمدينة والمشاهد وكيف كان نزول جبريل عليه السلام على النبي صلى الله عليه وسلم ومن أي وجه كان يأتيه وقبور الشهداء فسأل يحيى بن خالد فكل دله علي فبعث إلي فأتيته وذلك بعد العصر فقال لي يا شيخ إن أمير المؤمنين أعزه الله يريد أن تصلي عشاء الآخرة في المسجد وتمضي معنا إلى هذه المشاهد فتوقفنا عليها والموضع الذي يأتي جبريل عليه السلام وكن بالقرب فلما صليت عشاء الآخرة إذ أنا بالشموع قد خرجت وإذا أنا برجلين على حمارين فقال يحيى أين الرجل فقلت هاءنذا فأتيت به إلى دور المسجد فقلت هذا الموضع الذي كان جبريل يأتيه فنزلا عن حماريهما فصليا ركعتين ودعوا الله ساعة ثم ركبا وأنا بين أيديهما فلم أدع موضعا من المواضع ولا مشهدا من المشاهد إلا مررت بهما عليه فجعلا يصليان ويجتهدان في الدعاء فلم نزل كذلك حتى وافينا المسجد وقد طلع الفجر وأذن المؤذن فلما صارا إلى القصر قال لي يحيى بن خالد أيها الشيخ لا تبرح فصليت الغداة في المسجد وهو على الرحلة إلى مكة فأذن لي يحيى بن خالد عليه بعد أن أصبحت فأدنى مجلسي وقال لي إن أمير المؤمنين أعزه الله لم يزل باكيا وقد أعجبه ما دللته عليه وقد أمر لك بعشرة آلاف درهم فإذا بدرة مبدرة قد دفعت إلي وقال لي يا شيخ خذها مبارك لك فيها ونحن على الرحلة اليوم ولا عليك أن تلقانا حيث كنا واستقرت بنا الدار إن شاء الله ورحل أمير المؤمنين وأتيت منزلي ومعي ذلك المال فقضينا منه دينا كان علينا وزوجت بعض الولد واتسعنا ثم إن الدهر أعضنا فقالت لي أم عبد الله يا أبا عبد الله ما قعودك وهذا وزير أمير المؤمنين قد عرفك وسألك أن تصير إليه حيث استقرت به الدار فرحلت من المدينة وأنا أظن القوم بالعراق فأتيت العراق فسألت عن خبر أمير المؤمنين فقالوا لي هو بالرقة فأردت الانصراف إلى المدينة فنظرت فإذا أنا بالمدينة مختل الحال فحملت نفسي على أن أصير إلى الرقة فصرت إلى موضع الكرى فإذا أنا بعدة فتيان من الجند يريدون الرقة فلما رأوني قالوا أيها الشيخ أين تريد فخبرتهم بخبري وأني أريد الرقة فنظرنا في كرى الجمالين فإذا هي تضعف علينا فقالوا أيها الشيخ هل لك أن تصير إلى السفن فهو أرفق بنا وأيسر علينا من كرى الجمال فقلت لهم ما أعرف من هذا شيئا والأمر إليكم فصرنا إلى السفن فاكترينا فما رأيت أحدا كان أبر بي منهم ولا أشفق ولا أحوط يتكلفون من خدكتي وطعامي ما يتكلفه الولد من والده حتى صرنا إلى موضع الجواز بالرقة وكان الجواز صعبا جدا فكتبوا إلى قائدهم بعدادهم وأدخلوني في عدادهم فمكثنا أياما ثم جاءنا الإذن بأسمائنا فجزت مع القوم فصرت إلى موضع لهم في خان نزول فأقمت معهم أياما وطلبت الإذن على يحيى بن خالد فصعب علي فأتيت أبا البختري وهو بي عارف فلقيته فقال لي يا أبا عبد الله أخطأت على نفسك وغررت ولكن لست أدع أن أذكرك له وكنت أغدو إلى بابه وأروح فقلت نفقتي واستحييت من رفقائي وتخرقت ثيابي وأيست من ناحية أبي البختري فلم أخبر رفقائي بشيء وعدت منصرفا إلى المدينة فمرة أنا في سفينة ومرة أمشي حتى وردت السيحلين فبينا أنا مستريح في سوقها إذا أنا بقافلة من بغداد فسألت من هم فأخبروني أنهم من أهل مدينة الرسول الله صلى الله عليه وسلم وأن صاحبهم بكار الزبيري أخرجه أمير المؤمنين ليوليه قضاء المدينة والزبيري أصدق الناس لي فقلت أدعه حتى ينزل ويستقر ثم آتيه فأتيته بعد أن استراح وفرغ من غدائه فاستأذنت عليه فأذن لي فدخلت فسلمت عليه فقال لي يا أبا عبد الله ماذا صنعت في غيبتك فأخبرته بخبري وبخبر أبي البختري فقال لي أما علمت أن أبا البختري لا يحب أن يذكرك لأحد ولا ينبه باسمك فما الرأي فقلت الرأي أن أصير إلى المدينة فقال هذا رأي خطأ خرجت من المدينة على ما قد علمت ولكن الرأي أن تصير معي فأنا الذاكر ليحيى أمرك فركبت مع القوم حتى صرت إلى الرقة فلما عبرنا الجواز قال لي تصير معي فقلت لا أصير إلى أصحابي وأنا مبكر عليك غدا لنصير جميعا إلى باب يحيى بن خالد إن شاء الله فدخلت على أصحابي فكأني وقعت عليهم من السماء ثم قالوا لي يا أبا عبد الله ما كان خبرك فقد كنا في غم من أمرك فخبرتهم بخبري فأشار علي القوم بلزوم الزبيري وقالوا هذا طعامك وشرابك لا تهتم له فغدوت بالغداة إلى باب الزبيري فخبرت بأنه قد ركب إلى باب يحيى بن خالد فأتيت باب يحيى بن خالد فقعدت مليا فإذا صاحبي قد خرج فقال لي يا أبا عبد الله أنسيت أن أذاكره أمرك ولكن قف بالباب حتى أعود إليه فدخل ثم خرج إلي الحاجب فقال لي ادخل فدخلت عليه في حالة خسيسة وذلك في شهر رمضان وقد بقي من الشهر ثلاثة أيام أو أربعة فلما رآني يحيى بن خالد في تلك الحال رأيت أثر الغم في وجهه وسلم علي وقرب مجلسي وعنده قوم يحادثونه فجعل يذاكرني الحديث بعد الحديث فانقطعت عن إجابته وجعلت أجيء بالشيء ليس بالموافق لما يسأل وجعل القوم يجيبون بأحسن الجواب وأنا ساكت فلما انقضى المجلس وخرج القوم خرجت فإذا خادم ليحيى بن خالد قد خرج فلقيني عند الستر فقال لي إن الوزير يأمرك أن تفطر عنده العشية فلما صرت إلى أصحابي خبرتهم بالقضية وقلت أخاف أن يكون غلط بي فقال لي بعضهم هذه رغيفان وقطعة جبن وهذه دابتي تركب والغلام خلفك فإن أذن لك الحاجب بالدخول دخلت ودفعت ما معك إلى الغلام وإن تكن الأخرى صرت إلى بعض المساجد فأكلت ما معك وشربت من ماء المسجد فانصرفت فوصلت إلى باب يحيى بن خالد وقد صلى الناس المغرب فلما رآني الحاجب قال يا شيخ أبطأت وقد خرج الرسول في طلبك غير مرة فدفعت ما كان معي إلى الغلام وأمرته بالمقام فدخلت فإذا القوم قد توافوا فسلمت وقعدت وقدم الوضوء فتوضأنا وأنا أقرب القوم إليه فأفطرنا وقربت عشاء الآخرة فصلى بنا ثم أخذنا مجالسنا فجعل يحيى يسألني وأنا منقطع والقوم يجيبون بأشياء هي عندي على خلاف ما يجيبون فلما ذهب الليل خرج القوم وخرجت خلف بعضهم فإذا غلام قد لحقني فقال إن الوزير يأمرك أن تصير إليه قابلة قبل الوقت الذي جئت فيه يومك هذا وناولني كيسا ما أدري ما فيه إلا أنه ملأني سرورا فخرجت إلى الغلام فركبت ومعي الحاجب حتى صيرني إلى أصحابي فدخلت عليهم فقلت اطلبوا لي سراجا ففضضت الكيس فإذا دنانير فقالوا لي ما كان رده عليك فقلت إن الغلام أمرني أن أوافيه قبل الوقت ا |